رائدات - بدأت عطاءها الأدبي وهي في المرحلة الابتدائية ولم تتوقف حتى آخر أيام حياتها
عزة آقبيق
رائدة من رائدات سورية والوطن العربي في أدب الأطفال والدفاع عن حقوق النساء، عرفها قراؤها لمدة عشر سنوات بإسمها المستعار "فتاة قاسيون"، قبل أن تخرج وتطالب بحقوقها في الشوارع وعلى خشبات المنابر.
إنها السيدة "مقبولة الشلق" الشاعرة والكاتبة والحقوقية، والتي تعد سجلات الجامعة السورية أول فتاة تنال شهادة الحقوق في سورية، "eSyria" زار السيدة "ماريا المالح المفتي" ابنة السيدة "مقبولة الشلق" بتاريخ "10/12/2011" والتي تحدثت عن والدتها بالقول: «شعرت والدتي بمحبتها للوطن وهي مازالت غضة طرية العود، وحملت حبها على مساحة عقود لتشارك بالحياة الاجتماعية والفكرية بكل ما أوتيت من قوة فقد أسهمت وشاركت في الحياة الاجتماعية والأدبية وخاضت مع جيلها نضال ضد كل من حاول المساس بمقدرات الوطن ليس سورية فحسب بل تعدى شعورها القومي حدود وطنها الأم».
ولدت السيدة "مقبولة" عام 1921 في دمشق في كنف أسرة دمشقية متدينة، والدها "حمدي الشلق" من كبار قضاة دمشق، بدأت دراستها في الخامسة من عمرها، نالت الشهادة الابتدائية في الحادية عشرة من العمر، لتتابع دراستها الإعدادية والثانوية في مدرسة تجهيز البنات، أنهت مرحلتها الثانوية في المعهد الفرنسي العربي -الحرية-، انتسبت إلى كلية الحقوق عام 1941 وتخرجت عام 1944 فكانت أول فتاة سورية، تحمل إجازة في الحقوق من الجامعة السورية.
لـ"مقبولة الشلق" تاريخ نضالي طويل ضد الاستعمار فهي من أوائل النساء اللاتي شاركن في أول مظاهرة نسائية خرجت في شوارع دمشق، وقد ألقت كلمة حماسية ضد الاستعمار، نُشرت في جريدة (فتى العرب)، ولم تكن حينها إلا في السادسة عشر من العمر.
عملت مدرسة لمادتي التربية الوطنية والتاريخ، في مدرسة تجهيز البنات، بدمشق لمدة 5 سنوات وشاركت في مؤتمر عصبة مكافحة الفاشية باسم طالبات تجهيز دمشق، كما كان لها نشاطات وطنية عدة كالعمل مع جمعية اليقظة الشامية، كما زارت –رفقة الوفد السوري- مدينة بورسعيد بعيد العدوان الثلاثي عليها، وألقت هناك قصيدتين حماسيتين، أعجب بهما رجال الثورة، وكبار المسؤولين.
كما كتبت قصص الملحمي، تمجد فيه البطولة والفداء، كما في قصتها، عرس من نوع جديد، التي ألقتها في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاد عروس جنوب لبنان البطلة "سناء محيدلي".
تعد "مقبولة الشلق" من أبرز الناشطات الاجتماعيات في سورية قبيل الاستقلال أو بعده، بدأت ثورتها على وضع المرأة في بلادنا مذ أن كانت طالبة، فكتبت وخطبت، واشتركت في الجمعيات النسائية، وحاضرت في المنتديات مطالبة بحقوق المرأة، وبضرورة مساواتها بالرجل في بعض الميادين، بسبب معاناتها التي بدأت بانتسابها إلى معهد الحقوق، توكيداً منها للمطالبة بحق المرأة في التعليم والعمل، حيث لم يتقبلها عدد من الأساتذة، فتصدوا لها، لما عرف عنها من جرأة بعد ورودها منهل التعليم الجامعي، فتجاهل بعضهم وجودها، وتعمد البعض الآخر ترسيبها في الفحص، ليثنيها -عبثاً- عن متابعة الدراسة، فضلاً عن مضايقات زملائها الطلاب المزعجة، وبالرغم من ذلك استطاعت "مقبولة" أن تكافح حتى نيل إجازتها في الحقوق.
استمرت معانات السيدة "شلق" بعد التخرج حين سدت في وجهها كل السبل، حيث اشترط عليها بعض الأساتذة عدم مزاولة المحاماة، حينها تدخل السيد الرئيس شكري القوتلي، وضمها إلى سلك التعليم، سافرت مقبولة برفقة زوجها الدكتور مصباح المالح، الذي أوفد من قبل الجيش العربي السوري إلى فرنسا للتخصص في (جراحة الفم والأسنان) فطلبت إحالتها على الاستيداع من خدمتها كمعلمة في مدرسة تجهيز البنات، وأثناء وجودها في باريس اختصت في رعاية الأمومة والطفولة في أرقى مناهجه، في جامعة السوربون .
وعند عودتها، استمرت معاناتها لانعدام توفر دور الحضانة لأطفالها، مما اضطرها إلى الاستقالة، لتقوم برعاية أولادها، و فيما بعد، لاقت الكثير من المعاناة في سبيل العودة للعمل، لولا أن جاءها الفرج على يد الصديق حافظ الجمالي وزير التربية آنذاك، فباشرت عملها في مكتبة الوزارة، مما أتاح لها فرصة الكتابة و العطاء الأدبي المتواصل الذي استمر حتى قبيل وفاتها.
استهواها العطاء بكل أشكاله وهذا ما وضحته لنا من خلال قصيدتها "لواعج بردى":
أهل الشآم أحبني ماذا جرى
وحياتكم إني رهين العزلة
معنى الحياة عطاؤها و سخاؤها
ما طعم عيشي عاجزا ما قيمتي؟
ما كنت يوماً في العطاء مقصراً
واحسرتي... إني فقدت هويتي
أسست مقبولة الشلق بعد عودتها من فرنسا عام 1952 (جمعية رعاية الطفولة والأمومة) في قرى الغوطتين وبلدتي دمر وداريا، فكانت أول جمعية تعمل على خدمة أهل الريف، والعناية بنسائه، وتقديم المساعدة الصحية لأطفاله، بمساعدة كل، "من نبيلة الموصلي، ومرام جندلي، ومنور إدلبي".
أما بالنسبة لعطائها الأدبي بدأت "مقبولة الشلق" كتابة الشعر في مرحلة مبكرة، وكتبت القصة القصيرة في عام 1935 ثم اتجهت إلى كتابة المقالة في المرحلتين الثانوية والجامعة، تحدثت فيها عن بعض المشاكل، أو المواضيع الاجتماعية القائمة، أحبت دمشق، فأهدتها كتابها الأول (قصص من بلدي) كذلك أحبت الأطفال، فكتبت لهم كثيراً من القصص، تدعوهم إلى حب الطبيعة، والعمل ومقاومة الاعتداء، صدرت لها مجموعات قصصية هادفة للأطفال، (عرس العصافير-سيدة الثمار-ابتسامات حنان)، وشاركت بنشر الكثير من قصص الأطفال في العديد من المجلات والصحف.
أما عن نتاجها الشعري، فقد نشرت قسما منه في ديوانها (أغنيات قلب)، عام 1982 وهو مجموعة من الشعر الوجداني والقومي، يقع الديوان في /125/ صفحة من القطع الكبير، نذكر من عناوين قصائده, أحبك, آدمية, وحدي أسير, فرحة الشام, دوار الشمس, الدوحة الشماء, ثورة الشام , صوت الفدائيين، آلام الذبيح, لواعج بردى.
نشرت قصصها ومقالاتها في البدايات باسم مستعار هو ( فتاة قاسيون)، وفيما بعد نشر إنتاجها الأدبي في الصحف والمجلات السورية والعربية، فكانت تكتب القصة وتنظم الشعر، وتقيم وتشارك في الندوات الأدبية، انتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب، وكانت عضواً مؤسساً في جمعية أصدقاء دمشق، وجمعية القصة والرواية.
كان دعاؤها إلى الله "أن لا يحرمها متعة العطاء الأدبي"، فظلت كذلك حتى قبل شهر من وفاتها، تسطر الفصول عن دمشق، و تكتب عن عادات أهلها، وعن ذكرياتها.
توفيت الأديبة مقبولة الشلق عام 1986 تاركة وراءها ذكرى عطرة عن مثال المرأة السورية الأدبية والمناضلة، تاركةً بصمة واضحة في مسيرة الأدب النسوي السوري، الذي كانت من رائداته.
نذكر من مؤلفاتها "قصص من بلدي 1978 اتحاد الكتاب العرب, مجموعة قصصية هادفة للأطفال- عرس العصافير 1979- مجموعة قصصية مصورة للأطفال- مغامرات دجاجة 1981 دار الفكر - سيدة الثمار 1985 منشورات وزارة الثقافة، ابتسامات حنان، قصص- ضوء الليل الأخضر، قصص للناشئة، ديوانها أغنيات قلب، صدر بالتعاون مع اتحاد الكتاب العربي عام 1982م". |