رائدات - نساء تحولن إلى سيدات أعمال بفضل "خبز الدار"

الخميس, 05-أبريل-2012
شبكة رائدات -
كان "المطلوع" أو "خبز الدار" كما يسمى يباع على قارعة الطرق من طرف أطفال فقراء ينحدرون من عائلات مسحوقة اجتماعيا، يحملون السلال البلاستيكية ويرفعونها بواسطة رباط حول اعناقهم ويجوبون بها الشوارع والأسواق، ويستعطفون الناس وكأنهم يتسولون، ويقدم المواطنون على شراء ما يبيعونه كمجرد شفقة أو مساعدة، ومع مرور الوقت تحولت صناعة المطلوع في البيوت من حاجة دافعها الفقر الى حرفة شائعة ومهنة قهرت الفقر وساعدت الاسر الجزائرية في العديد من ولايات الوسط خاصة الشلف وعين الدفلى والجزائر العاصمة على تعليم وتربية أبنائها في ظروف مادية جيدة مما تجنيه من دخل كبير، وأخرجت هذه الحرفة الشريفة عائلات من مخالب الفقر والجهل والحرمان، وسمحت لنساء مطلقات بدون دخل ولا نفقة الزوج من تأمين حياة كريمة لأطفالهن، فبائعات المطلوع نجحن في عدة مناطق من الوطن من تدريس أبنائهن وتحسين ظروفهن الاجتماعية، في المقابل تمكنت سيدات ماكثات في البيوت ليس لهن وظيفة من احتراف صناعة المطلوع على مجال تجاري واقتصادي واسع وخلق اسواق راقية ورابحة لترويج هذا النوع من الخبز الذي اصبح ينافس 14 ألف مخبرة على المستوى الوطني.

ففي الجزائر العاصمة تحولت بائعات المطلوع الى سيدات أعمال، إن صح التعبير، تمكن من شراء سيارات وشقق وبناء بيوت حيث فتحن محلات تجارية في كل أحياء العاصمة لبيع كل أنواع الاكل التقليدي: محاجب، فطير، براج، مسمن، والمطلوع، هذا الخبز المشهور الذي تقبل على شرائه طبقة من المواطنين ذوي الدخل الجيد، نظرا لارتفاع سعره، والتعاقد مع أكبر المطاعم الراقية من "مشاوي " درارية وسطاوالي الى مسمكات بوهارون والجميلة، والتعامل مع الفنادق لتزويدها بكميات كبيرة من خبز الدار المطلوب من طرف الزبائن.

وحسب اصحاب المطاعم، فإن الزبائن من الطبقات الراقية ورجال اعمال يفضلون المطلوع على خبز المخابز بشكل كبير، مما دفع بالمطاعم الى التعاقد واحتكار سيدات قويات وتتعاملن بالثقة مع توفر عامل النظافة في هذا المجال، حيث يتعاقد صاحب محل أو مطعم مع سيدة ذات خبرة وسمعة بين المواطنين ليشتري منها كل الكمية التي تحضرها كل يوم بشرط أن لا تمون أي محل أو مطعم آخر ويدفع لها ما تطلبه من مقابل مادي، ويضيف صاحب مطعم بدرارية أن هناك من الزبائن من يبدأ بأكل المطلوع من السلة الموضوعة فوق الطاولة بمجرد جلوسه وقبل أن يطلب وجبة الاكل، وأصبحت محلات الاكل السريع تستخدم المطلوع في تحضير "السندويش" بناء على رغبة الزبائن، ولكن بأسعار مرتفعة على سعر الخبز العادي، ففي منطقة القبة وحي البدر وبانوراما وحي مايا وباش جراح.. نساء مشهورات تحولن الى سيدات أعمال، وحسن من وضعهن المادي الى درجة الغنى، يوزعن منتوجهن على الفنادق وكل محلات الاكل السريع ومطاعم العاصمة الفاخرة في حيدرة والمرادية وبن عكنون، ويزودن قصابات الاحياء العاصمية من المدنية الى باب الوادي، بالمطلوع والرشتة التقليدية.

مطلوع الوزراء

في زيارة الى بعض محلات بيع المطلوع و"ملحقاته" من محاجب وفطير ومعارك ومسمن بالعاصمة، وجدنا أن هذا المنتوج التقليدي واسع الاستهلاك مطلوب من طرف شريحة كبيرة من المجتمع ومرتفع الثمن، تحول الى وجبات الموظفين اليومية حيث يقتنون كميات اضافية الى عائلاتهم، فسعر المطلوع في أحياء العاصمة الراقية بـ 35 دينارا والمحجوبة بـ 30 دينار، أما "المسمنات" بـ 100 دينار، وتختلف الاسعار حسب الحي والمحل وصاحبة المنتوج.

وتدير سيدات مشهورات في مجال تحضير المطلوع "بزنسا" كبيرا حولهن من عاطلات عن العمل الى رائدات في التجارة ويتحكمن في الاسواق وتدرن أموالا كبيرة، وتمكن من توسيع دائرة العمل من سيدة واحدة الى تشغيل عشرات النساء واقتناء أجهزة عجن كهربائية للتسهيل والتسريع في تحضير الكميات المطلوبة في الوقت المحدد، خاصة بالنسبة للمطاعم التي يقصدها رجال الاعمال والشخصيات السياسية البارزة.

وتحتكر سيدة تقطن بمنطقة وادي الرمان بضواحي درارية سوق المطلوع الخاص بالشخصيات، فزبائنها كلهم من الوزراء وأعضاء في السلك الدبلوماسي، متعاقدة معهم حيث تزودهم يوميا بالخبز التقليدي المتنوع، ويشهد لها المواطنون بأن المطلوع الذي تحضره رائع ومشهور، تقول هذه السيدة إنها تتعامل مع شخصيات راقية منذ عشر سنوات تقريبا، وتتوافد عليها الطلبات من إقامة الدولة وبعض السفارات.

وعن مداخيل هذه التجارة، لا تفصح السيدات عن حجم أعمالهن خوفا من "الحسد" لكن المردود واضح من خلال عمليات توسيع النشاط وتشغيل واستقطاب اليد العاملة، حيث تبحث سيدات عن فتيات لتشغيلهن عن طريق التوظيف شهريا أو بأجرة اليوم حسب كمية الانتاج وحجم الطلبات، فتقول سيدة معروفة بباش جراح إنها تتعامل مع خمسة مطاعم موزعة بين باش جراح والقبة وبن عمر وحي البدر، تزود كل محل بـ 20 مطلوعة يوميا، أي بطاقة إنتاج تصل إلى 100 قطعة، ثمن كل واحدة 25 دينارا، أي تحقق ربحا صافيا مع خصم تكاليف الدقيق حوالي 2000 دينار يوميا، أي معدل دخل شهري يصل الى 60 ألف دينار، وهو دخل يقارب دخل الموظفين السامين في الدولة.

وهناك سيدات يعملن على نطاق واسع ويتحكمن في اسواق كبرى، خاصة المطاعم الراقية أين تكلف أبسط فاتورة عشاء مليون سنتيم، كمطاعم الشواء في درارية ومطاعم أكل السمك ببوهارون بتيبازة أو الجميلة بالعاصمة، فسعر خبز المطلوع بين 30 و45 دينارا للقطعة، وتنتج بعض السيدات كميات كبيرة منه ويوزعنها على المطاعم ويحققن أرباحا خيالية مقابل تكلفة بسيطة من الطحين وبعض الجهد والخبرة.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 19-مايو-2024 الساعة: 04:36 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-52.htm